النقد العربي
بين انفتاح المثاقفة وسحر الارتجال
قراءة في كتاب "عن
النقد العربي الحديث " للدكتور حسن المنيعي
بقلم الدكتور׃ أخ العرب عبد الرحيم
يعد النقد دعامة أساسية ومركزا مهما داخل دائرة الإبداع الأدبي والفني ،
فيه يتم تنخيل ومعالجة النتاج النصي , ولن يصلح حال هذا الأخير إلا بصلاح أوله )النقد(.
بزغ
فجر كتاب ينذر بفاجعة الوضع النقدي ويستشرف المستقبل المشرق الذي يلوح في الأفق،
ويتمثل في كتاب الدكتور حسن المنيعي " عن النقد العربي الحديث" الذي
يشكل رغبة ملحة في النبش في أخاديد الإنتاج
النقدي العربي والبحث عن النواة الصلبة التي يمكن أن تكون سندا في بناء جسد
النقد العربي ، منتبها لخطر السقوط في شرك " التناسل الهجين" مع حداثة
الغرب وآلياته النقدية المنبثقة عن شروط تاريخية وفكرية خاصة .
وفي
الوقت نفسه يعد هذا العمل ترسيخا لمفهوم «الارتجال»׃ باعتباره سحر الحرية في اكتشاف بنية قواعد خاصة متوافقة مع مقتضيات النص،
ولكن وفق معطيات ذاتية خاصة كذلك.[1] أ التغريب׃
تعتبر
مرحلة التغريب قاطرة مهمة في مسار النقد العربي ، فالترجمة والمقارنة والدرس الجامعي
روافد فسيحة ومنابر لإيفاد وتداول المقولات النقدية الغربية ، مثلا :في العشرينيات مع مدرسة الديوان " التحليل النفسي" ومدرسة أبولو
"الشعر التقليدي والرومانسي"
والرابطة القلمية " الأدب الروسي والأنكلوساكسوني ..." ثم كذلك
البعثات الطلابية التي تأتي محملة بزاد معرفي ونقدي ترك بصماته على الساحة النقدية
العربية مثال ׃"طه حسين ": (المنهج الديكارتي والنقد الفرنسي..).
خيم
النقد الواقعي الاشتراكي – خاصة على الاشتراكية الفابيانية ، والاشتراكية الديمقراطية ، ثم الاشتراكية
العلمية (ماركس و انجلز) - وظل محط اهتمام
مجموعة من الكتاب ك "فرح أنطون "و "وسلامة موسى" و"عمر
فاخوري" .. ولكن تبيئت هذه المقولات الجاهزة عاش في اضطراب عمقته سطحية
التناول.
أما
مستوى البحث الجامعي ( المغربي خاصة ) فكان للسباق إلى التعرف على المناهج النقدية
المعاصرة كالألسنية والسيميائيات والشعرية والأسلوبية والتأويلية والسرد
لوجيا على التحليل آلاء ونعم .
ب التأصيل
نلمس من خلال تصريحات الأدباء والنقاد إشراقا ت
تنم عن لحظات نزوع للخروج من بوثقة الأسر الغربي لصنع القرار النقدي العربي الذي
طبعه «الارتجال » وتكمن خاصية الارتجال عند الناقد في طريقته الخاصة وفي كيفية استدعاء
القواعد الخاصة بالنص (مثل لاعب
الشطرنج )،على سبيل المثال لا الحصر :
- نادى "طه حسين" بالأدب الحر ضد
الطرح السارتري،وانعثق "عمر الفاخوري" من ربقة التوجه الواقعي الاشتراكي
السائد لصالح فكرة (التجويد) أي (الجمال) الذي أوصى به "قدامة بن جعفر"
.
- أما "محمد مندور" فاعتمد النقد
الذوقي وجمع بين التحليل والرؤية التاريخية والتقويم الجمالي، وانطلق "لويس
عوض" من مقولة أن النص إنتاج وليس وثيقة جامدة، متبنيا اشتراكية رحبة
ومتسامحة لا تعرف حدودا.
- سن "حسين مروة "واقعية الواقعية ،ودرأ
المفهوم اليساري للواقعية ( الانعكاس) ، والمفهوم اليميني الذي يقطع حبل الاتصال بين العمل الإبداعي
وواقعه الخارجي.
ومع
بداية النقد الواقعي الجديد ، نجد تجاوزا للمنظور الاشتراكي المحض والمنظور
البنيوي المنغلق لفائدة تهجين ماركسي و تحليل نفسي " جورج طرابيشي"
ولقراءة تراعي جنس النص ومرجعياته وأبعاده الإيديولوجية " يمنى العيد"و"إلياس
ألخوري" و"محمد بنيس".
تتوزع
هذه الأصالة بين كسر صفة الأسير المستهلك، وتحطيم صفة الفرض والقسر ، مما يمكن
اعتباره بوابة لخلق نظرية تفاعلية تتجاوز " المسافة النقدية" بين
التغريب والتأصيل وتستخلص الأبعاد
الجمالية والحضارية التي ينطوي عليها النص العربي ، لو لا عائق أزمة أعداء الحداثة
وأشباه الحداثيين التي يجب التفكير فيها بجدية .
ج-الوظيفة
النقدية׃
سعى الدكتور المنيعي من خلال معالجته ( للغربال) ل "ميخائيل نعيمة "،
وللأدب والفن لدى "توفيق الحكيم" إلى البحث عن الحس والصوت النقدي
الدفين في النصوص العربية وتسجيله في الذاكرة النقدية، وهذا يتماشى مع تصريح "ميلان
كونديرا" الذي يفضل النقد الأدبي
" بصفته تأملا وتحليلا ، والذي يعرف قراءة الكتاب مرات عديدة ويعرف ما
يريد قوله... إنه النقد الأدبي الذي لا يكترث للضجة المتمادية لرنين الأحداث ،
ولديه الاستعداد لمناقشة أعمال ظهرت منذ سنة ، ثلاثين،ثلاثمائة سنة، النقد الأدبي
الذي يحاول إدراك الجديد في العمل ليدرجه عندئذ في الذاكرة التاريخية"[2]
. إن النقد عند "ميخائيل نعيمة" هو غربلة الآثار الأدبية لا غربلة
أصحابها ، وهذا يتماشى مع النقد المحايث للنص الأدبي .
أما "توفيق
الحكيم" فخلق تعادلية بين قطبي التعبير (الشكل والمضمون) والتفسير (
الرسالة ) وقام باختزال كل مسيرات المسرح الغربي ، وكتب المأساة بعقلية عربية
معاصرة "يا طالع الشجرة"،"أسطورة وأديب"،" شهرزاد" وحقق
نتائج تأصيلية للمسرح العربي كنقلات فنية وتجارب مسرحية تعنى بالحفر الأركيولوجي
في الموروث الشعبي لاستخراج طقوسه الاحتفالية ، حيث أعاد الاعتبار للممثل العربي
عن طريق تحرير جسده من هيمنة المسرح على
الطريقة الايطالية ،ووظف فضاءات ذات دلالة عربية دون السقوط في مهاوي التوثيق
والنقل الحرفي لمقولات المنظرين الذين سبقوه، فصاغ أسئلته وتصوراته الذاتية متوسلا
بذخيرته التي تمتح من التراث الأدبي والفني الغربي والتراث الثقافي العربي.
د-المسار
النقدي׃
توخى من هذا الفصل " النقد الروائي المغربي" رصد
لحظتين للنقد الروائي المغربي : فترة ما قبل
الاستقلال ،وفترة الاستقلال وما بعدها .
1 - فترة ما قبل الاستقلال : تميزت في البداية باستشراف معطيات النقد المشرقي ( عبد الكريم غلاب/محمد مندور) بعد
ذلك في نهاية الأربعينيات ، ساد النقد الغربي في بعض كتابات النقاد المغاربة على سبيل المثال لا للحصر׃" عبد الله إبراهيم"
من خلال مقالاته حول الكتاب الأمريكان المعاصرين وديستويفسكي، و"حسين
الأبياري "الذي تأثر بالأدب الفرنسي، و"محمد الغواص " الذي تأثر ببروست وأندري جيد، لكن هذه القراءات طبعتها
السطحية والنقص في التمثل والاستيعاب.
2 – فترة الاستقلال وما بعدها : شكل الحرم الجامعي قطب رحاها النقدي وفضاءها الرحب
والفسيح ، فانتشر أنداك النقد الواقعي مسايرا روح العصر، ثم، ومند نهاية السبعينات
حتى بداية الثمانينات، أصبحت البنيوية التكوينية قبلة مجموعة من النقاد ׃
" سعيد علوش"و"الحميداني حميد "و"أحمد
اليابوري"و"محمد برادة" في بدايته، أما مع نهاية الثمانينات وبداية
التسعينات، فقد أخذت البنيوية وشعرية السرد مكانا مرموقا في سلم النقد الروائي
المغربي.
يتبين من خلال هذه النتائج ، أن النقد الروائي
الحديث في بلدنا ، هو مشروع فردي (
صحافي . معلم, أستاذ ثانوي أو جامعي أو طالب) لإنتاج حركة أو تيار، مما سيسبب في
التسيب والفوضى ،لذا وجب التعامل مع
النقد كمعرفة وكوعي يطمحان إلى تحقيق
أهداف والقيام بوظائف مستفيدا من حقول معرفية كالأسلوبية والسيميولوجيا وشعريات
السرد والحوارية الباختينية وجمالية التلقي ...
ه – الحلم النقدي
ظل المؤلف وفيا لسعيه المعرفي ، فقدم في الفصل الأخير
معلومات قيمة عن" النقد التقليدي الجامعي "׃
كـ( النقد العقائدي ): فرنا ند برونتيير ،( النقد الانطباعي) :جول لمتر , واللانسونية واللانسونية الجديدة...) وعن( النقد الوجودي )׃السارتري ، من أجل إبراز
المثال والقدوة ليتمثله النقد العربي والمغربي الجامعي ، وليفتح أمامه آفاق
استنبات بذور نقدية تحمل الخصوصية العربية وترأب الصدع الذي يقض مضجعه ويثبط عزيمته.
[1] - Milan
Kundera,Les Testament Trahis, ed Gallimard,1993,p29-31
[2] -Ibid,p35-36 .