النقد العربي.. من أدب اللفظ إلى أدب المعنى ينطوي
هذا الكتاب على أعمال الندوة التي كانت اقيمت في دمشق في العام 2004،
بعنوان "النقد الأدبي في المشرق العربي". وقد خصصت لمقاربة الجهود النقدية
الحديثة التي كان لها دور اساسي في اطلاق النهضة العربية وحركة الحداثة على
كل المستويات. شارك فيها ثلاثة عشر ناقداً وكاتباً من بلدان عربية مختلفة،
ومن فرنسا، قدموا أبحاثاً هامة، تتبعوا فيها تطور النقد العربي في المشرق
خلال القرن العشرين. وتناول بعضهم، بالتحديد، علاقة النقد العربي بالنقد
الفرنسي الذي لعب دوراً ملحوظاً في تمتين اسس ومرتكزات النقد العربي
الحديث. الكتاب صدر بعد قرابة السنوات الثلاث من انعقاد الندوة المذكورة.
تكمن
اهمية الكتاب، بما يشتمل عليه من دراسات موضوعية موثقة، في سعيه الى الكشف
عن الاعمال الأدبية الرصينة والهادفة، التي تستهدف، بالدرجة الأولى، شخصية
الأديب، فتحيط بدقائقها، وتتخذ من هذه الشخصية، وما يؤلفها من عواطف وميول
واهواء، وسيلة حقيقية الى فهم العصر والبيئة، على نحو من المقاربة
الشاملة، اذا جاز التعبير. ويرى الناقد الفرنسي، ايريك غوتيه، وقد ساهم في
إعداد الكتاب، ان الابحاث المدرجة في هذا العمل، تقوم على فكرة "نقد النقد"
التي تعالج تحديد خصوصيات النقد الأدبي في المشرق العربي. ويضيف انه على
الرغم من اختلاف وجهات النظر وتنوعها، فقد نجح هذا الكتاب في ايجاد بوتقة
موضوعية لاستيعاب خطاب النقاد العرب. من بينها: طبيعة العلاقة القائمة بين
النقد والكتابة الأدبية، او تفاعل الكتابة والنقد؛ كيفية تكون النقد العربي
وتطوره؛ مسألة التأثر بالتيارات النقدية العالمية؛ موقع النقد في الساحة
الأدبية لبلدان المشرق العربي، وطبيعة الاشكالات المتداولة، والاتجاهات
المنهجية المستخدمة أو السائدة، وسواها.
ويبدو ان تركيز الكتاب على
التفاعل النقدي بين المشرق العربي وفرنسا، مرده الى ان النقد العربي استفاد
كثيراً من النظريات التي طرحها النقاد الفرنسيون في القرون الثلاثة
الماضية، على وجه الخصوص. يشار، على هذا الصعيد، الى شخصيات فرنسية رئيسية
مارست ولا تزال، ثقلاً منهجياً في مجال النقد العربي، من أمثال: جان بيير
ريشار، غاستون باشلار، ميشيل فوكو، لويس التوسير، كلود ليفي شتراوس، رولان
بارت، لوسيان غولمان، جاك دريدا، وسواهم. واذا عدنا الى مؤسسي النقد الأدبي
العربي الحديث، وهم كثر بدءاً من مطلع القرن التاسع عشر، نجد انهم نهلوا
من مصدرين: النقد العربي القديم والنقد الأوروبي الحديث. التقط معظم هؤلاء
المؤسسين النقاط المضيئة في النقد العربي القديم، خصوصا في اعمال عبد
القاهر الجرجاني، وقدامة بن جعفر، وابن قتيبة، وابن جني، والجاحظ، وأبي
حيان التوحيدي، وأبي العلاء المصري، وهي اعمال استثارت بالفكر اليوناني
وبكتاب "الشعر" للفيلسوف الكبير، ارسطو، بشكل خاص، ومع ذلك، بقيت تدور في
فلك البلاغة العربية التقليدية، الى ان انفتح العرب على عصر الأنوار. فبدأت
الأفكار والمفاهيم النقدية الجديدة تشق طريقها الى النقد العربي الحديث،
فتغيرت الذائقة الفنية، وتطورت المعايير الجمالية المستجدة. وانتقل النقد
العربي من الانفعال العاطفي الى التفكير العقلاني، من ادب اللفظ الى ادب
المعنى. على هذا الأساس، يتطرق الكتاب، في دراساته المتعددة، الى الأثر
العميق الذي خلفته الثورات العلمية والمعرفية التي حصلت ابان القرن العشرين
على النقد العربي الحديث. من بين هذه المؤثرات: المنهج الالسني، والتحليل
النفسي، والاجتماعي، والادب المقارن، وسواها، وقد اسفرت هذه عن قفزة نوعية،
وفتحت آفاقاً فسيحة أمام هذا النقد الذي تشعبت مساربه وتعددت قياداته
وأطيافه ومدارسه.
يتضمن الكتاب الفصول الآتية: النص والسياق ـ تناقض
المسار في ولادة النقد الأدبي العربي (فيصل دراج)؛ طه حسين، النقد والتاريخ
(عبد الرزاق عيد)؛ الروائي والناقد (الياس خوري)؛ مساهمة الكتاب النقاد
العرب في حركة النقد الأدبي المعاصر (ايريك غوتيه)؛ النقد الأدبي في مجلة
"شعر" اللبنانية 1957 ـ 1970 (دنيا ابو رشيد)؛ الفعالية النقدية في
الدوريات السورية من الاستقلال الى الوحدة (نبيل سليمان)؛ من جان بول سارتر
الى رولان بارت ـ ملامح من الأثر النفسي في بعض اتجاهات النقد الروائي
المعاصر في لبنان (رفيق صيداوي)؛ في تلاقيات النقد الأدبي، جاك دريدا
نموذجاً (كاظم جهاد)؛ حدود النص والرحيل في متاهات التأويل (كمال ابو ديب)؛
من البلاغة الى النقد الى البلاغة (محمد كامل الخطيب)؛ الناقد مستتراً او
وعي الابداع الفني ذاته (حسان عباس)؛ النقد الأدبي المعماري (جمال شحيد)؛
تكوينية غولدمان ومشكلات الاستقبال العربي (سعد البازعي).
الكتاب: النقد الأدبي في المشرق العربي
إعداد: جمال شحيّد وايريك غوتيه
الناشر: دمشق ـ المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، 2006