المشترك
اللفظي في اللغة العربية
عالج العلماء اللغويون القضايا الدلالية التي
عرفتها الساحة اللغوية العربية، معتبرين ذلك من أهم خصائص اللغة العربية. يقول
أحمد ابن فارس في كتابه: "الصاحبي في فقه الله العربية ومسائلها وسنن
العرب في كلامها" (باب الأسماء كيف تقع على المسميات):«يسمى الشيئان المختلفان بالاسمين المختلفين، وذلك أكثر
الكلام كرجل وفرس. وتسمى الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد، نحو: "عين
الماء" و"عين المال" و"عين السحاب". ويسمى الشيء الواحد
بالأسماء المختلفة، نحو: "السيف و المهند و الحسام"... ومن سنن العرب في
الأسماء أن يسموا المتضادين باسم واحد، نحو "الجون" للأسود،
و"الجون " للأبيض»1.و بقول ابن فارس يتضح أن ألفاظ اللغة من حيث
دلالتها أربعة أنواع: أ- المتباين: وهو أكثر اللغة، بأن يدل اللفظ
الواحد على معنى واحد2، مثل رجل
وفرس.ب- المشترك اللفظي: وهو أن يدل اللفظ الواحد
على أكثر من معنى3، نحو عين
الماء، و عين المال، وعين السحاب ج- المترادف: و هو دلالة أكثر من لفـظ على معنى
واحد4.د- المتضاد: وهو اللفظ المستعمل في معنيين
متضادين5، مثل
الجـون للأبيض والجون للأسـود.وقد أثارت هذه القضايا اشكالات كبيرة من حيث
الأسباب والفوائد وغيرها، لذا سيكون من المفيد أن نتطرق ﺇليها (ومادام أن التباين
واضح وشائع، فإننا سنقتصر في بحثنا
على المشترك اللفظي).1- المشترك اللفظي لغة واصطلاحا:المشترك لغة: اشتركنا بمعنى شاركنا، وشاركت فلانا صرت
شريكه... ورأيت فلانا مشتركا ﺇذا كان يحدث نفسه أن رأيه ليس بواحد، واسم مشترك
تشترك فيه معان كثيرة، كالعين ونحوهما فإنه يجمع معاني كثيرة6.أما اصطلاحا، فيقول ابن فارس: «وتسمى
الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد، نحو عين الماء وعين المال وعين السحاب"7.إذن فالمشترك اللفظي هو إطلاق لفظ واحد على معنيين
مختلفين فأكثر. ومن الكتب التي تحدثت عنه، ما يلي:"الأشباه والنظائر في
القرآن الكريم" لمقاتل بن سليمان البلخي (ت150 هـ)، "ما اتفق
لفظه واختلف معناه في القرآن الكريم" للمبرد (ت 285 هـ)، "الصاحبي"
لابن فارس، "دلالة الألفاظ" لإبراهيم أنيس، "علم
الدلالة بين النظرية والتطبيق" لأحمد نعيم الكراعين.[right]2- أسباب المشترك اللفظي:
ﺇن لوجود المشترك اللفظي أسباب؛ منها ماهو لهجي،
أو صوتي، أو دلالي، أو صرفي.- السبب اللهجي: يتحقق هذا السبب حينما تستعمل بيئتان لفظا
بمعنيين مختلفين، فإذا نحن نظرنا إلى الكلمة في بيئتها أو لهجتها لم يكن هناك
مشترك لفظي، أما إذا نظرنا إليها داخل المادة اللغوية كلها وجد المشترك اللفظي8.فعن طريق جمع اللغة العربية وتدوينها وقع الكثير
من المشترك الآتي من لغتين متباينتين؛ من ذلك: "الضن" التي
تستعمل بمعنى المرض، وتطلق في الوقت نفسه على الطفل في لهجة طيء9.- السبب الصوتي: يذكر ابن درستويه هذا
السبب في قوله: «ولكن قد يجيء الشيء النادر من هذا لحذف أو اختصار
وقع في الكلام»10. فالحذف
أوالاختصار شكل من أشكال التطور الصوتي حيث يصيب أصوات اللفظ من خلال النطق والسماع،
مما يؤدي إلى تشابه في الصورة الصوتية مع احتفاظ كل بدلالته عن الآخر، فينتج عن
هذا اشتراك لفظي. ومن أمثلتة: الفعل"خاط" من الخياطة، ولكن بقلب
خطا ﺇلى خاط صارت الكلمة الأخيرة من المشترك11.ومن هنا، فأصحاب المعاجم لم يفطنوا ﺇلى أن الكلمة
قد تمر بتطورات صوتية، فتنشأ لها صورة جديدة، فيتصادف أن تشترك في اللفظ مع كلمة
أخرى بعيدة عنها كل البعد في المعنى أو قريبة منه. وقد كان حين جمعوا معاجمهم
وصنفوها أن جاؤوا بكلمات كثيرة تشترك لفظا وتختلف معنى.-السبب الدلالي: يتم بتحميل كلمة لها معنى
قديم "أصلي" بمعنى اصطلاحي جديد، إما بطريقة مقصودة أوغير مقصودة. ومن
مثل التغير في المعنى بطريقة قصديه ماحدث في كثيرمن مصطلحات الشرع حيث يكتسب اللفظ
في البيئة الخاصة (الإسلامية) مدلولا مغايرا عن أصل مدلوله اللغوي؛ كالصلاة التي
كانت تدلعلى الدعاء والرحمة أما بعد دخول الإسلام، فأصبحت تعني ركنا من
أركان الإسلام الخمسة.وبخصوص التطور الدلالي غير المقصود؛ فإنه يحدث حين
توجد علاقة بين المعنيين. فإذا كانت العلاقة، مثلا، مشابهة كان المعنى الجديد
استعارة، وإلا كان مجازا مرسلا.12 كإطلاق العين على العين الباصرة، وعين الفرس، وعين
الماء.ويرى ﺇبراهيم أنيس أن هذا السبب لا يوقع الترادف؛لأنه
لو كان كذلك لكان الكلام كله مجازا كما ذهب ﺇلى ذلك ابن جني. أما المشترك الحقيقي
عنده فهو أن لا تكون هناك أية صلة بين معنيي اللفظ؛ مثل "الخال"
الذي بمعنى أخو الأم، والشامة في الوجه13.-السبب الصرفي: هو «تشابه
كلمتين في الصورة الصوتية واختلافهما في الاشتقاق والدلالة»14. وهذا النوع من الاشتراك يسمى بـ''الاشتراك
الكاذب''؛ ومعناه اشتراك في النطق أو الهجاء واختلاف في المعنى. قال الزمخشري:
«معروفة طيبة العرف ومعروفة اسم
مفعول من الفعل علم»15. ويتجلى
لنا الاختلاف في الاشتقاق والدلالة، بكون "معروفة" الأولى من
العرف، بمعنى العادة. أما الثانية "معروفة" فاشتقا قها من
العرفان بمعنى العلم بالشيء.ولعل هذه الأسباب التي ذكرناها وغيرها، خير دليل
على حدوث المشترك اللفظي؛ لأن بالأسباب توجد الأشياء، وﺇذا كان كذلك، فماذا عن
فوائده؟3- فوائد المشترك اللفظي:هناك مجموعة من الآثار الايجابية لهذه الظاهرة
منها: * إن اللغة في استطاعتها أن تعبر عن الأفكار
المتعددة بواسطة تلك الطريقة القادرة على تطويع الكلمات وتأهيلها للقيام بعدد من
الوظائف المختلفة.* ظلة صور فنية وأدبية متعددة مثل: التلاعب
بالألفاظ والجناس والتورية ، وأسلوب الحكيم.* كثيرا ما يأتي تعدد المعنى أو نقله لسد فجوة معجمية، وكثيرا ما يرد هذا النوع في حياتنا
اليومية وفي لغتنا العادية16.ومن ثم، فالمشترك اللفظي من خصائص اللغة العربية
حيث يتيح، لنا، التوسع في مختلف الفنون، كما أنه وسيلة للإفهام. لكن مع ذلك، فإن
له سلبياتا لا تقل عددا عن ايجابياته؛ فهو يؤدي إلى الغموض في الدلالة17،كما يعوق
التفاهم مما يترتب على ذلك صراع بين المعاني18
. ورغم هذا فالسياق يلعب دورا
كبيرا في تحديدالمعنى المقصود، وﺇزالة الإبهام عن اللفظ.---------------------------------------------
المصادر والمراجع:
[1]- ﺃحمد بن فارس ﺃبو الحسن ،الصاحبي في فقه اللغة العربية و
مسائلها و سنن العرب في كلامها ،تحقيق ﺃحمد حسين ، دار الكتب العلمية، لبنان ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1997
،ص،116 - 117 .
2 - أحمد مختار عمر، علم الدلالة ، عالم الكتب ، مصر ، الطبعة الثانية ،
1988، ص. 145.
3 - نفس المرجع ، ص .145.
4 - نفس المرجع ، نفس الصفحة.
5 - نفس المرجع، ص. 191.
6 - ابن منظور، لسان العرب،
دار صادر ، بيروت لبنان، 1983، مادة ( ش ر ك ).
7 - ابن فارس، نفس المصدر ، ص. 59 . أو جلال الدين
السيوطي ، المزهر في علوم اللغة وأنواعها ،شرح و تعليق ، محمد أبو الفضل ،
محمد جاد المولى، علي محمد البجاوي، المكتبة العصرية، صيدا ، بيروت، لبنـان.الطبعة السابعة. ص. 296.
8 - أحمد مختار عمر، نفس المرجع، ص. 160.
9 - حلمي خليل، العربية والغموض
: دراسة لغوية في دلالة المبنى على المعنى، دار المعرفة
الجامعية، الاسكندرية، الطبعة الأولى، 1988م، ص. 100.10 - نفس
المرجع، ص. 98 .
11 - أحمد
مختار عمر، نفس المرجع، ص. 160.
12-
نفس المرجع، ص. 161
13- إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، مكتبة
الأنجلو المصرية، الطبعة الثانية، 1981، ص
.121 .
14- أحمد نعيم الكراعين، علم الدلالة بين النظرية و
التطبيق، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع .لبنان، الطبعة الأولى،
1993.
ص.121.
15- نفس المرجع، ص. 121 .
16- أحمد
مختار عمر،
نفس المرجع، ص. 179-
183 .
17- حلمي خليل، نفس المرجع، ص . 96 .
18- أحمد مختار عمر، نفس المرجع، ص .183- 184.
[/right]