عبد المجيد صرودي
عدد المساهمات : 2 نقاط : 6 تاريخ التسجيل : 26/03/2012
| موضوع: الأدب والمدرسة. الأربعاء مارس 28, 2012 10:44 am | |
| أحببت أن أستهل حديثني في هذه الورقة المتواضعة بمقتطف من مقال جاء في مجلة (عيون المقالات)تحت عنوان ” الأدب والمدرسة “ لصاحبه شكري المبخوت, العدد 11/1988 وهو على سبيل التأثيث لما سيأتي في ثنايا هذا العرض , والنص هو كالتالي: ‘ للنصوص التي توسَم بالأدبية مكانة رفيعة في المؤسسة التربوية ,يَندُر أن نجد لها مثيلا في سائر المؤسسات. ففي المدرسة تنعقد العلاقة المتينة بين أركان ثلاثة هي : الأدب والمدرسة والقراءة . أما الأدب فهو تلك المدونة الجامعة لما اصطفاه الناس من النصوص على مدى الأزمان , وأحلوه في المرتبة العالية من وجدانهم , وتوجوه إبداعا فنيا . وأما المدرسة فالشائع من حدها أنها جهاز يضطلع بتبليغ معارف وقيم انتقاها أهل الاختصاص انتقاء, أنتجوا عنها برامج مضبوطة ودعتهم إلى غايات معينة. وأما القراءة فهي مجموعة من الطرائق بها يتم تقبل النصوص الأدبية, فيها ما يتقيد بظاهر اللغة ,مكتفيا بحقيقتها المعجمية فيأخذ بقريب المعاني وحرفيتها,وفيها ما يِؤول من الرمز والإشارة من المجاز والاستعارة وغيرها... وفي هذا الصدد يأتي حديث تيزفيتان تودوروف في كتابه 'الأدب في خطر' معتبرا مجموع التعليمات التي تؤطر جل المؤسسات الفرنسية في تدريس مادة الأدب تقوم على خيار عريض وجوهري يتلخص في قراءة القصائد والروايات بغية التفكير في مفاهيم نقدية تقليدية أو حديثة , لكونها لا ترمي نحو التفكير في الوضع الإنساني والفرد والمجتمع والحب والكراهية ..., فضلا عن الإشكالات التي تواجه المدرس في كل مادة دراسية بحيث يغيب عن وعيه في أغلب الأحيان , أهو يدرس معرفة تناول المادة التعليمية نفسها أم تناول موضوعها , أين الغاية وأين الوسيلة ؟ إنه بالفعل اختزال عبثي للأدب حسب تودوروف، هذا الأخير الذي اكتسب رؤية شاملة للتعليم الأدبي في المدارس الفرنسية بمشاركته ما بين 1994و2004 ضمن المجلس الوطني للبرامج, وهو ما أدى به إلى الدهشة والذهول, خصوصا عندما أثار التعليم المدرسي هذا الإشكال في عدم الإحساس بالرؤية الشاملة في التعليم الأدبي بعيدا عن الهدف الأساس من النصوص والخطابات الأدبية بالدراسة التي تكمن في قدرات القارئ الغير المتخصص وبحثه عن فهم أفضل للإنسان والعالم وليكشف فيها جمالا يثري وجوده , وهو إذ يفعل ذلك يفهم نفسه فهما أفضل , ليس ليتقن أفضل منهج للقراءة أو ليستمد معلومات عن المجتمع الذي أبدعت فيه . لأن معرفة الأدب ليست غاية بذاتها , وإنما هي إحدى السبل الأكيدة التي تقود إلى اكتمال كل إنسان . طبيعي إذن أن يأتي الأدب طارحا نفسه في الأوساط التعليمية والمعرفية التي تطرح بدورها عدة تساؤلات يُتسنى من الأدب الإجابة عنها , وهي من قبيل ماذا يستطيع هذا الأخير في ظل الرهانات التعليمية الحديثة من جهة .ومن جهة أخرى الحفاظ على الموروث الثقافي والاسلامي للأمة ودوره في إرساء دعائم العملية التعليمية والتربوية وعليه ,فقد ذهب الأستاذ الكبير الدكتور سعيد يقطين الذي بدأت إصدارته منذ عام 1985, في كتابه ”الأدب والمؤسسة, نحو ممارسة أدبية جديدة“ إلى رصد الأطراف التي يراهن عنها الأدب على اعتبار العلاقة القائمة بينه وبين هذه الأطراف التي تدخل في علاقة مع النص, وهذه الأطراف هي المؤسسة الأدبية التعليمية, والتاريخ, والمجتمع,و السياسة , والصحافة...؛ حيث كان يجري وراء ملامسة جوهر مشاكل الواقع الأدبي العربي عامة والمغربي بوجه خاص في ديباجته الحالية. وقد خلص إلى ما يلي : إن المؤسسة في نهاية المطاف, ليست إلا عاملا من العوامل الأساسية التي تعطي للإبداع الأدبي الشيوعَ والاستمرار والتواصلَ بين الأجيال لاسيما في بلادنا المغرب . وهذا ما يجعلنا نقول: إذا كان الخطاب المدرسي لا غاية ترتجى فيه من وراء الإنتاج الأدبي, وإذا كانت المؤسسة المدرسية تجد في الأدب ما تدعم به هدفَها, على اعتبار أن الأدب ظاهرة مدرسية بامتياز. فهل يا ترى يمكن للمدرسة أن تستغني يوما ما عن الأدب ؟ من خلال هذه المعطيات وأخرى, نحاول أن نؤثث ونبني بشكل أو بآخر حديثَنا عن السؤال الذي يطرح نفسَه بنفسه وهو كالتالي: ماذا يستطيع الأدب يا ترى ؟ إذا أردنا أن نتجاوز السؤال التقليدي, ما الأدب ؟ إن النظرة المتواضعة والتأمل اليسير في الارتباط الأكيد بين المؤسسة التعليمية وبين مختلف طروحات الأدب بشكل عام يجعلنا نسجل ما يلي: إن المؤسسة تُعنَى - بدءا – بترسيخ الفصاحة , وهي وسيلة للحفاظ على رصيد المجتمع من التراث اللغوي الذي يبلوره الأدب, فوجود أدب عربي مثلا يفترض ممارسة للغة العربية, فضلا عن كونها تحافظ على أنظمة الأخلاق والجمال التي تكون رصيد المجتمع في القيم ,ويبدو أن الأدب من هذه الزاوية هو الميدان الخصب للتعبير عنها. الاستقاء العفوي للفرح الباطني , ومتعة العاطفة والخيال التي بمقدور كل الكائنات البشرية اقتسامها. وفي هذا الصدد تأتي القصة التي أوردها تودوروف في كتابه ' الأدب في خطر' ,حول تلك المرأة الشابة اسمها (شارلوت دلبو)التي وجدت نفسَها يوما حبيسةَ السجن في باريس , خاضعة لنظام الليل والضباب تحت تآمر ألماني, فكانت زنزانتها بالقرب من إحدى صديقاتها التي كانت تَمُدها ببعض الكتب والروايات, ومن ضمن تلك الكتب قرأت مسرحية (موليير) التي وجدت فيها ذاتها يخاطبها صوت (ألسست) البطل, الكاره للبشر ليوضح لها مضمون الجحيم , ويوضح لها مضمون التضامن والنضال في معسكر الاعتقال , فاكتشفت على إثر ذلك أن شخوص الكتب يمكن أن يصبحوا رفاقا موثوقين , فكتبت ” مخلوقات الشاعر هي أكثر حقيقة من مخلوقات اللحم والدم لأنها غير قابلة للنفاذ , وبفضلهم يرتبط العمل الأدبي بسلسلة الكائنات وبسلسلة التاريخ على المدى الطويل.“ الأدب يُعلمُنا الـتأملَ الــهادئَ والنظرة َ المتواضعة َلأشكال الجمال ويسعدنا سعادةً حقيقية ودائمة ، والتي مردها أن المبدعَ بتصويره لموضوع ما أو حدث أو شخصية لا يفرض أطروحة ً بل يحث القارئَ على صياغتها . إنه بذلك يعرض بدل أن يفرض ، إذن هذا ما يحفظ للقارئ حريته كي يصير أكثر فاعلية. الأدب يستطيع أن يَمُد لنا اليدَ حين نكون في أعماق الاكتئاب, وأن يقودَنا نحو الكائنات الأخرى من حولنا , ويجعلُنا أفضل فهما للعالم , ويعينُنا على أن نحيى. القارئ العادي الذي يبحث عن معنى لحياته أكثر صوابا على المدرس أو الناقد الذي يقول : إن الأدب لا يتحدث إلا مع نفسه أو إنه لا يعلم إلا اليأس.وفي حالة إذا لم يكن القارئ في حالة صواب , فسيكون محكوما على القراءة بالزوال في أجل قريب. العمل أو(الأثر) الأدبي تواصل لا ينفذ ولا ينقطع , والذي يضمن له هذه الاستمرارية هو ما يسمى(بالمسافة الجمالية) وكذا (المسافة التاريخية). لا يمكن للعمل الأدبي أن ينفصل انفصالا كاملا عن الإنسان الذي أبدعه والذي يقرَأًه, على اعتبار أن كل إبداع فني يوسع من مداركنا الأدبية والثقافية بالتعمق في عالم الكاتب من سيرته الذاتية والموضوعية. طبيعي إذا أن تتبدى دعوتنا المشروعة إلى إعادة النظر في الوقائع الأدبية وإحداث التفاعل والتبادل الإيجابي مع الأشكال والمضامين القديمة والحديثة على حد سواء, وتبليغها للأجيال الصاعدة ...كالأدب اليوناني ومسودات بول بنيشو كما طرحها تودوروف, دون أن نضع في طي الكتمان الأدب العربي من كتب الجاحظ ومؤلفات المنفلوطي وروايات نجيب الكيلاني..., فضلا عن الأدب المغربي وما يزخر به من تنوع ثقافي وإرث يصعب على الإنسان أن يحيد عنه. المراجع:
'الأدب في خطر' لتيزفيتان تودوروف ' الأدب والمؤسسة , نحو ممارسة أدبية جديدة ' لسعيد يقطين مجلة (عيون المقالات)تحت عنوان ' الأدب والمدرسة ' لصاحبه شكري المبخوت, العدد 11/ 1988 وهو | |
|
المدير العام المــدير العام منشئ المنتدى
عدد المساهمات : 1009 نقاط : 2828 تاريخ التسجيل : 29/11/2011 العمر : 12 الموقع : https://albahito.alafdal.net
| موضوع: رد: الأدب والمدرسة. الأربعاء مارس 28, 2012 1:00 pm | |
| | |
|