هل تؤجل وزارة الداخلية الانتخابات الجماعية والجهوية؟
د. عبد اللطيف بروحو*
السبت 05 ماي 2012 - 19:25
كثر الجدل هذه الأيام حول الصمت المريب لوزارة الداخلية فيما يتعلق
بأجندة الانتخابات الجماعية والجهوية، والتي تعتبر أساس انتخابات مجلس
المستشارين، الغرفة الثانية للبرلمان التي تتناقض مع الدستور الجديد،
وتحتاج لتجديد شامل حتى يخرج المغرب من حالة الانتظارية والوضعية
الاستثنائية التي يعيشها حاليا.
فقبل أشهر قليلة كان مآل المؤسسات المنتخبة في ظل الدستور القديم،
والتي أصبح وجودها مخالفا للدستور الجديد، محط إجماع بين الفاعلين
السياسيين والحزبيين فيما يخص ضرورة التجديد الشامل لهذه المؤسسات
المنتخبة، خاصة وأن التعليمات الملكية كانت واضحة ووضعت سنة 2012 أجلا أقصى
لإجراء جميع العمليات الانتخابية.
فمجلس المستشارين الحالي أصبح في وضية منافية للدستور الجديد، الذي سمح
باستمراره بشكل مؤقت ووضع مهمة أساسية له تتمثل في إصدار القوانين
الانتخابية بشكل شبه حصري؛
والجهات والجماعات الترابية الأخرى القائمة حاليا تتنافى وضعيتها
القانونية والسياسية مع الإطار الدستوري والديمقراطي الذي يحكم المغرب
حاليا، ومشروع الجهوية المتقدمة الذي سيبدأ مع الدستور الجديد ينتظر
الإفراج عن قانونه التنظيمي، ويتطلب تجديدا شاملا على مستوى الديمقراطية
المجالية.
لكن أمام هذه الحقائق الدستورية والمسلمات القانونية والسياسية، لم
نلمس اتجاها لدى وزارة الداخلية أية إجراءات واضحة تهم من جهة تنزيل
المقتضيات الدستورية وإيداع مشروع الجهوية بالبرلمان، ومن جهة ثانية يلاحظ
صمت مريب ومثير للشكوك بخصوص أجندة الانتخابات الجماعية والجهوية لهذه
الوزارة التي لم تتخلص بعد من سلبيات الماضي، ولا زالت تحاول ضبط الإيقاع
الانتخابي بالمغرب على حسابات سياسية تتناقض مع متطلبات الوضع الحالي
للمغرب.
منطق التجديد الشامل للمؤسسات المنتخبة:
يعتبر التنزيل القانوني والمؤسساتي للدستور الجديد محطة حاسمة في رسم
التوجهات السياسية العامة التي سيسير عليها المغرب للعقود اللاحقة، كما
يمثل مناسبة لإعادة بناء الدولة سياسيا وموضوعيا ومجاليا على أسس
ديمقراطية، تكون للديمقراطية الجهوية والمحلية مكانتها اللائقة التي أكد
عليها دستور فاتح يوليوز 2011، ويعد محطة تاريخية لإعادة النظر في بنية
النسق السياسي المغربي من حيث علاقات المركز مع المجال المجسد للجهات وباقي
الجماعات الترابية.
وهذا ما يتطلب تفادي الإبقاء على المؤسسات المنتخبة في ظل الدستور
القديم خلال هذه السنة، بل إن المنطق يقتضي أن تجرى جميع الاستحقاقات قبل
افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، بغرفة ثانية منتخبة وفق الدستور الجديد.
فالجهات والجماعات والغرف المهنية الموجودة حاليا والتي تم انتخابها
وفق دستور 1996، تنتمي لنظام دستوري أصبح متجاوزا بمجرد إقرار دستور 2011،
وأصبح وجودها انتقاليا واستثنائيا لتأمين المرور للمؤسسات الجديدة، وضمان
استمرارية المرفق العام.
لكن هذا الوضع الاستثنائي لا يمكن أن يطول أكثر من اللازم، وهذا ما أكد
عليه الخطاب الملكي للسنة الماضية الذي دعا إلى ضرورة التجديد الشامل
لجميع المؤسسات، من جهات وجماعات وغرف مهنية ومجلس المستشارين، قبل نهاية
سنة 2012، وهو أمر واضح وجلي ومنطقي، ويعبر عن جوهر الإصلاح الدستوري.
فهل ستتجه وزارة الداخلية لمعاكسة المنطق الدستوري وتخالف التعليمات الملكية بضرورة إجراء الانتخابات هذه السنة؟
ولماذا لم تعلن لحد الساعة عن الأجندة الانتخابية وعن تقديم مشاريع
القوانين التنظيمية التي أعدتها السنة الماضية للبرلمان للمصادقة عليها؟
احتمالات تأجيل الانتخابات:
لقد حاولت بعض الأحزاب السياسية التقليل من أهمية التجديد الشامل
للمؤسسات المنتخبة بعد اعتماد الدستور الجديد، والآن تشجع ضمنيا وزارة
الداخلية على التأخير عبر صمتها عن المطالبة بتنزيل فصول وأحكام الدستور،
وإخراج المغرب من الحالة الانتقالية التي يعيشها.
وقد بدأ الحديث يلوح هذه الأيام حول احتمال تأجيل الانتخابات لمنتصف
سنة 2013، حتى تتمكن وزارة الداخلية من الإعداد الجيد للانتخابات وتنزيل
الدستور قانونيا والتشاور مع الأحزاب وضمان إجراء الاستحقاقات في ظروف
سياسية أحسن....
فما المقصود بالضبط بهذه العبارات التي أصبح تداولها يعيد شبح الشك في نوايا وزارة الداخلية؟
فالتنزيل القانوني لفصول الدستور لن يتطلب أكثر من شهرين، على اعتبار
أن وزارة الداخلية أعدت مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالجهوية خلال شهر
شتنبر الماضي بناء على تقارير اللجنة الملكية المكلفة بملف الجهوية
المتقدمة، ولن تتطلب مناقشة مشاريع القوانين التنظيمية بالبرلمان أكثر من
شهرين على أبعد تقدير.
والتشاور مع الأحزاب السياسية يمكن أن ينطلق الآن، ولن يتطلب أكثر من
شهر، ويتعين أن يشمل جميع المقتضيات المتعلقة بالإعداد الجيد للانتخابات،
وتشكيل لجنة عليا لمتابعة العمليات الانتخابية، والاتفاق على جدولة زمنية
ملائمة لتنظيم مختلف المراحل الانتخابية.
وبالتالي يعتبر شهر يوليوز ملائما لبداية إجراء الانتخابات عبر تسبيق
محطة الغرف المهنية التي لا تتطلب جهدا كبيرا من وزارة الداخلية، وتكون
موازية لانتخاب مناديب العمال وأعضاء اللجن الثنائية بالوظيفة العمومية.
وتقتضي الحكامة السياسية أن تجرى الانتخابات الجهوية والجماعية في يوم
واحد وباقتراع واحد، توفيرا للمصاريف الهائلة التي تتطلبها الانتخابات،
والتي تفوق المليار درهم، وحتى نضمن انتخاب مجلس المستشارين خلال بداية
أكتوبر، وبالتالي يمكن معها افتتاح البرلمان بغرفتيه بشكل دستور خلال
الجمعة الثانية لأكتوبر من هذه السنة.
فأجل ستة أشهر جد كافية لوزارة الداخلية لإجراء جميع العمليات
الانتخابية بشكل عادي وطبيعي، ودون أية تأثيرات سلبية على طريقة التدبير
السياسي أو على ديمقراطيتنا المتطورة في ظل الدستور الجديد.
لكن بالمقابل تثار تساؤلات حقيقية حول خلفيات الصمت المريب لوزارة
الداخلية بهذا الخصوص، وتنشأ الشكوك بشكل خاص أمام تصريحات وزير الداخلية
بخصوص صعوبة الإسراع بالانتخابات وبتفادي مفاجأة الأطراف السياسية
بمواعيدها.
وهنا يحق لنا التساؤل: لماذا نؤجل الانتخابات لسنة 2013 إذا كنا قادرين على إجرائها هذه السنة؟
إن حالة الانتظارية التي يعيشها المغرب تؤثر بشكل سلبي على السير
الطبيعي لجميع المؤسسات الدستورية، وإذا تم ترحيل هذه الوضعية للسنة
القادمة فإن ذلك يعنب ان هذه الحكومة ستعيش نصف ولايتها في وضعية مؤقتة
واستثنائية لا تستطيع معها العمل بشكل طبيعي.
فلماذا سنؤخر الانتخابات إذن لغاية منتصف سنة 2013؟ ولماذا لا نريح
أنفسنا ونترك جميع المؤسسات لتستمر إلى أجلها العادي الذي انتخب من أجله في
ظل الدستور القديم ونؤجل بالتالي تنزيل الدستور الحالي لوقت لاحق لا نعلم
متى سيحين.
لماذا لا نترك الجماعات والجهات لغاية 2015، ونترك مجلس المستشارين لغاية 2018؟
فهذا المنطق الذي أصبحت تنهجه وزارة الداخلية لا يمت في الواقع بأية
صلة للدستور الجديد، وكأنها تحن للدستور القديم بما يمثله من تجاوزات ومن
هيمنة الإدارة على المشهد السياسي والانتخابي، حتى تعود للكوارث الانتخابية
التي أصلت الوضع السياسي بالمغرب إلى الحضيض، والذي وصل مداه السلبي
والكارثي خلال انتخابات 2009.
هذه هي الأسئلة المنطقية التي تثار بخصوص التنزيل القانوني والمؤسساتي
للدستور الجديد، فدستور 2011 يحتاج لمؤسساته الخاصة المنتخبة وفق أحكامه،
ولا يمكن بالتالي تنزيل الدستور الجديد بمؤسسات قديمة مطعون في شرعيتها
القانونية، خاصة إذا كانت هذه المؤسسات قد نتجت عن ممارسات مناقضة لأبسط
قواعد الديمقراطية، وتسببت في شلل تام بعدد من المدن الكبرى بالمملكة
(الدار البيضاء، طنجة، وجدة، تمارة، مكناس، مراكش...).
فلا يمكن منطقيا أن يتم الإبقاء على الجهات الحالية المناقضة للدستور
لسنتين بعد اعتماد الدستور نفسه، ولا يمكن أن يبقى مجلس المستشارين
المتناقض شكلا وبنية وموضوعا مع أحكام الدستور الجديد بعد سنة من المصادقة
على النص الأساسي للمملكة، خاصة وأن الغرفة الثانية الحالية أصبحت غير ذي
جدوى لا من حيث مجالات اشتغالها أو الإشكالات السياسية التي تتسبب فيها.
وإذا كانت بعض الأحزاب السياسية تخشى من استمرار نجاح العدالة والتنمية
في حصد الأصوات الانتخابية جهويا ومحليا، فإن الحسابات السياسية
والانتخابية لا يمكن أن تعطل تطبيق احكام الدستور، وهواجس التخوف المَرَضي
من نجاح انتخاب آخر للعدالة والتنمية وتأكيده لعمقه الشعبي والانتخابي لا
يمكن أن يسمح لوزارة الداخلية بمخالفة التعليمات الملكية السامية التي
ألحَّت على إجراء جميع العمليات الانتخابية قبل نهاية سنة 2012.
*دكتور في القانون
المصدر:هيسبريس