سلوكيات الممثل وقدراته الإبداعية على خشبة المسرح
الباحث : د. كاظم العمران
لقد جاءت دراسة سلوك الإنسان وشخصيته وقدراته الإبداعية متأخرة على
أيدي أصحاب الفن الأكاديمي , الذين يهتمون بما ينتجه الممثل من حركات
وانفعالات ليؤكد بها حضوره الحقيقي على خشبة المسرح . رغم أن اهتمام
الإنسان بأخيه الإنسان يعود من حيث البعد التاريخي إلى ابعد من عهد الإغريق
. إذ كان الفلاسفة يلاحظون ويتتبعون ويفسرون السلوك . إلا أن الملاحظة
الموضوعية ومناهج البحث المقنعة ترجع إلى عهدنا الحاضر وصولاً إلى أدق
التفاصيل والحركات البسيطة والإيماءات التي يصدرها الممثل وهو غاص في دوره
على خشبة المسرح التي يحاول ان يظهر لنا إبداعه من خلالها .
لابد من التأكيد هنا على دراسة مكونات السلوك والقدرات الخلاقة
كالإبداع والمواهب التي هي أصعب الامور . كون سلوك الإنسان تتداخل فيه
عوامل الوراثة والبيئة وما يكتنفها من ظروف وحالات ومتغيرات لا يمكن حصرها
والسيطرة عليها في الغالب ,لذا فهو أي السلوك متشابك ومتداخل ومعقد من حيث
الدراسة العلائقية بينه من ناحية وبين كيفية تعلمه والسيطرة عليه علمياً من
ناحية أخرى . ولكي نبين العلاقة الموضوعية ما بين التمثيل على الخشبة – إن
كان- كحصيلة للتعلم أو كموهبة وقدرات موروثة تنتج هذه السلوكيات ؟؟وهل
بالإمكان أن نعلم الإبداع الفني في التمثيل لطلاب الفنون على وفق السلوك
الفطري ؟؟وهل بالإمكان أن نعلم التمثيل لمن لاموهبة له؟؟؟ أم هل نستطيع أن
نخلق مبدعاً وهو لا يملك كيفية أن يقتن قدراته التمثيلية أكاديميا ؟؟!! أم
هي القدرات الأكاديمية المقننة لا تجدي نفعاً للمثل الموهوب ؟؟! الذي يحاول
أن يطور سلوكياته ذاتياَ على الخشبة , وهل من الضروري أن نطبق الصيغ
التربوية التقليدية على طلبة لديهم ذكاء عال , وقدرات خاصة , ممن يتوقع أن
يبدعوا على خشبة المسرح بسلوك طري إنساني , كيفما اتفق ؟؟!!
لكي نجيب على هذه الأسئلة التي ترد في ذهن كل ممثل ومتلق على حد سواء ,
لنلق اولاً نظرة سريعة على المقصود بالإبداع والموهبة والتعلم على وفق
اليات السلوك البشري , ةما طبيعة وضوابط وشروط هذا التعلم وكيف يتم ؟؟ لكي
يكون الربط واضحاً ولتكون الخطوط العريضة او الوشائج بارزة لأغراض المقارنة
والتوضيح . إن الإبداع يتعلق بالإدراك الذي بدوره يتصل بالذكاء (القدرة
السلوكية العامة) , إن تميز هذا الإبداع في أمر ما يتعلق (بالقدرات
السلوكية الخاصة) بأنواعها المتعددة الفنية , اللغوية , المكانية ,
الخيال, التصور , الحفظ , التفكير .....الخ ويتسم الإبداع بالمرونة
والطرافة في مجال أو أكثر من مجالات (العلوم – الأدب – الفنون خاصة) .
ولا ننسى إن فرويد FRUED قد عرفه ضمن مدرسة التحليل النفسي : "بانه تعبير عن حيلة دفاعية تدعى بالإعلاء"(1) .
وعرفه جماعة (الجشتالت) أصحاب نظرية الهيأة فقالوا :" إن الإبداع نشاط
للسلوك"(2) . وقد اختلف الباحثون في المراحل التي تمر بها القدرات
الابداعية , وفي تحديدها ووجهوا نقداً الى فكرة تعدد هذه المراحل باعتبارها
تؤدي الى تجزئة السلوك الابداعي .
اما التعلم : فهو عملية منظمة هادفة تسعى لغاية وترتبط بحاجات
المتعلم وقدراته من خلال زيادة الخبرة لاغناء حياته , ويساعد في اكسابه
القدرة والمهارة على القيام باعمال جديدة , ومن التعريف نرى ان التعلم
لايضع المتعلمين في قوالب جامدة متشابهة بل هم ينشطون ويستفيدون لتقديم
اعمال جديدة اضافة للتي تعلموها واذا ما جاء هذا التعلم بصورة مباشرة
منتظمة وعلى يد معلم فهو تعليم والذي يرتبط بجميع الفعاليات التي يخطط لها
المعلم , ويقوم بتنفيذها بقصد تعليم الطلاب واحداث تغيير في سلوكهم باتجاه
اهداف محددة نحو ابداع مقصود .
والابداع المقصود قد لايأتي حصيلة المعايشة الطويلة حسب, في التعلم من
مرحلة الطفولة الى مرحلة البلوغ , بل ان هناك مثارب تستوعب الطفل وتجعله
يتمعن بما يحيط به من المهارات والابداعات التي ينفذها ابواه او الكبار
المحيطين به, يتعمق فيها ويتفهم اسرارها ويقرأ عنها ويطبق ويمارس وينمو
معها حتى يبدع فيها , وهذا الابداع هو الخليط بين الموهبة والتعلم , الذي
ينتج سلوكيات الممثل وقدراته الابداعية على خشبة المسرح, لانه انطلق من
دوافع وحاجات وميول المتعلم ورغباته ونضجه العقلي والجسمي والانفعالي
والاجتماعي . وهذا بالطبع يعتمد على سلامة حواسه ومدى قدرته على الصبر
والمتابعة والتمعن والتحدي لخلق القدرات في التنفيس الذي يقود البعض الى
تعلم شيء جديد او الاضافة عليه وكسر حدود المألوف .
ونلاحظ ان التمثيل على خشبة المسرح قد يحتوي على عنصر الابهار في
الاداء المسرحي او قد لايحتوي على ذلك , فالتمثيل الذي يخاطب الوجدان قبل
العقل نراه يحرك اشياء كثيرة في دواخلنا , وقد يتركنا من السكون
والاسترخاء او النشاط والحركة تتناسب وجدانياً مع ما شاهدناه , فقد يأتي
الممثل بالفاظ او حركات لاتحسب لها حساب . هذا ما نسميه بعملية الخلق الفني
(الابداع) او الابتكار, ونسميه احياناً القدرة الابداعية في السلوك, التي
تحرك الوجدان والعقل والجهاز العصبي حتى تسلبه سيطرته على نفسه وينتهي به
الامر وكأنه مسلوب الارادة هذه هي طبيعة الابداع ودوافعه واثاره على
المتلقي .
وهناك الكثير من الطلبة يمتلكون هذا الابداع في عملية التمثيل على
خشبة المسرح , وهناك ايضاً نوع اخر من الذين يتفقون على (الموهوبين) ومن
ذوي القدرات الخاصة بتعلمهم على ايدي اساتذة اكفاء مبدعين كذلك . ولكن
لايتم ذلك الا بطرائق تدريس متطورة كالنمذجة والتكشيفية وتعليم الفريق
والتعليم الذاتي (المبرمج) على ان يتمتع الاثنين المعلم والمتعلم بالصبر
والقدرة على التحمل في اجراء النشاطات والتمارين الهادفة مع توازن في
الشخصية ونظامها العقلاني والوجداني الذي يخلق بدوره توازن في الشخصية
ونظامها العقلاني والوجداني الذي يساعد الممثل على تطوير سلوكيات قدراته
الابداعية على خشبة المسرح والذي يخلق بدوره توازن حقيقي بين الموهبة من
جهة والتعلم في صقل هذه السلوكيات وتطويرها من جهة اخرى لكي تصل تهيئة
المناخ الملائم لخلق عملية الابداع الفني على خشبة المسرح بشكل يهدي الى
التعرف على وسائل التوعية والابهار لدى الممثل من خلال التفسير والتحليل
الجمالي الذي ينتجه المتلقي النخبوي وعامة الافراد اثناء مشاهد العرض ,
يراها ويحسها في تلك السلوكيات وبالتالي تشارك الاخيرة في اظهار وسائل
التنمية الذوقية والمعرفية للفن في المجتمع .
منقول