لقـــاء بين قارئ ضمنــي و نص فنــي

انفـرج الستار، وانتظر الجمهور، غير أنه لم يظهر الممثلون، كل ما وقعت عليه الأعين، عرش ذهبي يتوسط خشبة المسـرح.

وأخيرا أطل المخرج، وكان يبدو قلقـا وضجـرا، تمعن في الجمهور، أيها
السـادة...هكذا انطلق متشنجا، ثم واصل: أنتم ترون الآن العرش الذهبي، وما
يمنع من البــدء هو خلوها من الوالي، فمن منكم يقبل أن يـؤدي هـذا الـدور؟
ظن الجمهـور أن المخـرج يمزح أو أنه يخفـي مفاجأة من مفاجــآت هـذا العرض.وطال الانتظار، فلا تسمع إلا همسا، ثم قال المخرج بيأس:
أيها
السادة، أنا لا أمـزح، إنـي بحاجة لممثل يـؤدي دور الوالي، ولا أعتقد أنه
يمكن أداء المسرحية بدونـه، لكن الدور لا يتطلب أي مجهود، فالوالي شخص
يجلس على العرش ويصدر الأوامر فقط...ثم نزل عن الخشبة، وتوقف في الممر،
تفرس بأحد الوجــوه:هــل توافق أيهــا السيد؟
لا...لا
وانتقل إلى سيدة كانت تجلس قرب الخشبة:
سيدتي: سأغير الدور إلى واليـــة أتقبلين؟
كلا، مستحيـــل...
وارتفعت الضجة، وقال المخرج: من حقكـم أن تقولوا "يسقـط المخـرج" أو "ليرحل المخـرج".
لكني
أقول لكم الحقيقة، فالممثـل مات هذه الليلة، وتوقف عن الــكلام، فاستغـل
الحاضرون صمت المخـرج فعادت الضجة من جديـد...وارتفع صـوت من آخـر
الصف:أنـــا أنــــا، وفي هذه اللحظة تبدلت ملامح المخــرج، وظهـر السرور
على محياه وقال: حسنا ما عليك سوى أن تصـعد الكرسي الذهبي.

اقتـرب الشـاب من حافة الخشبة فظهــرت ملامحـه، في الثلاثين من عمـره،
طـويـل القامة، يرتدي بذلة رماديــة، ويعلـو الصفير والهتاف، فيرتـد الشاب
إلى الخلف:
سـيدي لقد كانت مجرد مزحة مني، فلقد دفعوني إلـى هنــا.
وقع المخــرج في حيـرة، ومهمــا حدث فهو بحاجـة إلـى ممـثل ليـؤدي الدور.
سيدي: اسمي عدنان بن الوالي الفاسي، لذلك صدرت مني المزحة، ودفعتني الأكف إلى هنا.
المخـرج يصمم علـى التعامـل مع هذا الشاب الذي يجيد المزاح، فكـل من في القاعـة يرفــض.
أخيــرا...اقتنع الشاب، وقال : إن لي شـرطا قبل البـدء، وهو أن توافقوا علـى كل ما آمــر به، وهتف الجميع بالموافقــة.
توجه
الشاب إلى غرفة الملابس،كان يبدو وقورا صامتا، وهو جـالس على العرش بملابس
قديــمة. كان حوله جنــود يحملون البنـادق وخلف العرش حـارســان يمسكان
سيفين.
الجميع ينتظر بدء العرض، إلا أن الوالي بقي صامتــا، وطال الانتظار....وقف أخيرا واقترب من حافــة الخشبة، ثـم نطق:
!! أيهــا السادة مادمتــم قد وافقتم على شرطـي، فأنـأ أحكم عليكم جميعا بالإعدام
وانتشر الجنــود بين المقــاعــد....
لقاء بين قارئ ضمني ونص فني
غالبا ما نجد من يروم الاقتراب من القصة القصيرة فيقبل عليها للتسلية لما تحتويه من غرائب، ولا يهتم إلا بحوادثها ونههايتها فقط، وهذا ما يجعل القارئ يعيش بمعزل عن الحياة في تدفقها المتمثل في القصةٌ، غير أن هذا لا ينبغي أن يحجب عنا أهمية القصة القصيرة التي غالبا ما تكون مستودعا للأسئلة الكبيرة وملتقى حساسا لفاعليات أدبية متنوعة: الشعر، الرواية، والمسرح.
إذا ما حاولنا الاقتراب من قصة " الــــوالــي" على سبيل وضع إشارات مؤدية إلى طريق القراءة، نجدها تنطوي على كثير من الحقائق والأسئلة، تجعل القارئ يروم السمع والنظر إلى الخلفية الاجتماعية لمدار القصة، ويلملم ما تناثر من المعنى داخل الركح، إن صاحب القصة أضفى عليها نوعا من القوة و الحيوية ليقنعنا بأننا أمام حقيقة لا خيال. ولعل أهم ما قد يثير انتباه القارئ ، أسئلة المضمون في علاقتها بأسئلة الشكل، ولكن يرجح البعض في لحظة كتابة القصة ـ زمن الثورات العربية ـ السؤال الاجتماعي في علاقته بالسياسي، الذي يصير كبيرا وملتبسا وملغوما إلى درجة يصعب الإمساك بها؛ وهذا ما يستدعي قراءة تتطلب الاستكشاف من أجل الوصول إلى الإدراك. فلا قراءة بدون هدف، فهذه القراءة تضعنا رأسا في أحضان البحث عن القصد، وهذا يفترض ضمنيا أن ثمة معنى للكاتب و اخر للقارئ، هذا الأخير هو بمثابة حصيلة المرجعيات الممتلكة من لدن القارئ، والتي يجنح إلى تقييم كفايتها، من هنا فهذه القراءة دعوة للتفكير، غير أن هذا الفعل لا ينبغي أن يصبغ معنى العمل الأدبي بمعنى اخر غير كامن في النص، وعليه، فإن النص لايكتب إلا من أجل قراءته، وبالقراءة يحقق شرط وجوده، وأول شرط من شروط تحقق النص، أن يتوفر الحد الأدنى للقراءة.