المليونية خداع للرأي العام

المليونية خداع للرأي العام

حمدي قنديل
المساء : 26 - 04 - 2012

المليونية خداع للرأي العام 155526

دعونا
نشاهد في البداية كيف تطورت الأحداث حتى وصلنا إلى مليونية الجمعة الأخيرة
20 أبريل.. كانت القوى الوطنية المدنية قد دعت إلى هذه المليونية منذ
أسبوعين، احتجاجا على استئثار تيار الإسلام السياسي بالجمعية التأسيسية
للدستور.. بعد الإعلان عن المليونية، جاءت مفاجأة ترشيح عمر سليمان التي
استفزت الإخوان المسلمين إثر ترشيحهم خيرت الشاطر للرئاسة، فتذكروا ميدان
التحرير الذي طالما نددوا به، وقرروا أن يستبقوا مليونية 20 أبريل بمليونية
خاصة بهم يوم 13 تحت عنوان «عزل الفلول»..
امتنعت معظم الفصائل عن
المشاركة في هذه المليونية، بسبب زيادة المخاوف من إمساك الإسلاميين بكل
مفاصل الدولة من البرلمان إلى الرئاسة إلى الحكومة، وبسبب فجوة الثقة التي
كانت قد اتسعت بعد تخلي تيار الإسلام السياسي عن قوى الثورة في مفاصل مهمة،
بداية بتكفير من قالوا «لا» في استفتاء مارس، ثم التنكر للثوار في محمد
محمود ومجلس الوزراء، ثم التغاضي عن سحل الجند الفتيات في الشوارع، ثم
تشويه شباب الثورة الذين وصموا بالبلطجة، ثم شجب التظاهر الذي «يعطل عجلة
الإنتاج» والتنديد بالميدان زهوا بالبرلمان، ثم الترحيب بحكومة الجنزوري،
ثم سقطة جمعية الدستور التأسيسية التي شكلوها على هواهم، وأخيرا ترشيح
«الشاطر» ومن بعده الاحتياطي «مرسي»، حتى لا يفلت كرسي الرئاسة من أيديهم.
زاد
إصرار قوى الثورة المدنية على جمعة 20 أبريل، وتكثف الإعداد لها، خاصة
بعدما بدأت الشكوك في نوايا المجلس العسكري ترك السلطة لما طالب بوضع
الدستور قبل انتخابات الرئاسة، وماطل في التصديق على مشروع قانون العزل
السياسي لقادة الحزب الوطني المنحل.. عندئذ قرر تيار الإسلام السياسي القفز
على المليونية، حين رأى فيها منصة أتيحت في الوقت المناسب، للهجوم على
لجنة الانتخابات الرئاسية التي أطاحت بنائب المرشد وبأحلام «لازم حازم»،
وكذلك الهجوم على المجلس العسكري الذي كانت علاقته بهم قد ساءت، بسبب
محاولتهم سحب الثقة من حكومة الجنزوري وهيمنتهم على جمعية الدستور
وموافقتهم على مشروع قانون العزل.. لم تجد قوى الثورة المدنية بدا من
التسليم بمشاركة تيار الإسلام السياسي في المليونية، إلا أنها أكدت ضرورة
إجراء مصارحة بين الجانبين أولا.
قبل الجمعة بأيام معدودة، تلقيت من
الصديق الدكتور محمد البلتاجي، نائب الإخوان المسلمين البارز، رسالة قصيرة
وجهها إلى عدد من الشخصيات العامة يعدهم فيها بطرح مبادرة للتوافق، أجبت
عليها مرحبا فور تلقيها، إلا أننا لم نسمع منه شيئا بعد ذلك.. مساء الخميس،
التقينا به في حفل تكريم أقامه حزب الوسط للمستشار الخضيري، ودار نقاش
قصير حاول فيه الأستاذ عصام سلطان والدكتور طارق الملط أن يرطبا الأجواء
قبل مليونية اليوم التالي، إلا أنه بدا لنا جميعا أن الوقت قد فات، وأنه ما
علينا إلا أن نستسلم للأقدار، راجين أن تمر الجمعة بسلام.. من ناحيتي،
قلتها واضحة: إنني لن أشارك في المليونية.. أعرف أن هدفها أسمى من أي
خلافات، لكننا مهما كنا ملتقين على الهدف، ومهما كان نجاحنا في الظهور صفا
واحدا، فإننا نخدع الجماهير بهذه الواجهة الموحدة التي تخفي من ورائها
خلافات عميقة لم تحسم.
بدأت الأخبار ترد في صباح الجمعة، ومعظمها يطمئن
إلى أن الأطراف المختلفة لن ترفع سوى أعلام مصر، وأنها اتفقت على أهداف
المليونية، وازدحم الميدان على نحو ذكّرنا بأيام الثورة الأولى.. بشائر
طيبة، حتى لو كانت قناة «أون تي في»، وكذلك موقع «اليوم السابع» الإلكتروني
قد وصفا الحشد بكونه وقع تحت سيطرة تيار الإسلام السياسي.. علينا أن نتفهم
أن هذا التيار عبأ كل قواه بعد إقصاء «الشاطر» الذي زلزل كيان الإخوان
المسلمين، ونتفهم أيضا أن «أولاد أبو إسماعيل» مجروحون وهم في أول جمعة بعد
شطب مرشحهم، وربما علينا أن نتغاضى عن بعض الحماقات التي انطلقت من منصتهم
كالقول بأن «المعركة ليست مع (حازم) لكن ضد رسول الله محمد»، أو هتافات
مثل «ارفع راسك فوق انت مسلم».. وحتى عندما تبين أن هناك في الميدان 11
منصة، فإن ذلك لم يبعث على كثير من القلق، خاصة وأن بعض القوى مثل 6 أبريل
وغيرها بادرت إلى تفكيك منصاتها حتى لا تتضارب الأصوات.. أما الحيرة في
تسمية الجمعة مليونية «حماية الثورة» أو «الحسم» أو «تقرير المصير» أو «لمّ
الشمل» فلم تكن في اعتقاد كثيرين مؤشرا على خلاف أو تنازع.
لكن رغم كل
محاولات العقلاء أن يبدو ميدان التحرير كما لو كان قد عاد صفا واحدا من
جديد، فإن الجرح ظل ينزف.. تكرر الصدام بين جماعات الإسلام السياسي والقوى
المدنية للثورة في الميدان ذاته، وكذلك في شبرا وماسبيرو ومصطفى محمود..
أما في السويس فحدث انقسام في ميدان الأربعين، حيث استقل الإخوان بمسيرتهم،
ورفضت بقية القوى، بمن فيها مؤيدو حازم أبوإسماعيل، الانضمام إليهم، وفي
المنصورة وقعت مشادات بين الإخوان وغيرهم، وفي الإسكندرية اشتبك الإخوان مع
المتظاهرين في مسيرة عند الشاطبي.
هكذا فرغم الوعود بتجنب الاستفزاز
والامتناع عن رفع الشعارات الخاصة، فإنه لوحظ من جهة أن بعض القوى الوطنية
المدنية كانت ترى في المليونية مناسبة لرفض حكم العسكر وحكم الإسلام
السياسي معا. ومن جهة أخرى، فإن جماعة «لازم حازم» لم يكن في بالها إلا فرض
«أبو إسماعيل» رئيسا على مصر، في حين استغلت جماعة الإخوان الفرصة هي
الأخرى للترويج ل«مرسي».. صحيح أن الكل اجتمعوا على مطالبة المجلس العسكري
بالتخلي عن السلطة وعزل الفلول، إلا أنه كان من الواضح أن الفرقاء خرجوا
يومها لأغراض متباينة؛ ورغم أن البعض قد تغنى يومها بلمّ الشمل وتوحيد
الصفوف، فإن المصالحة كانت لحظية وكانت ظاهرية وكانت غامضة.
المصالحة
الحقة لن تتم قبل المصارحة.. وبعد المصارحة، لا بد من اعتذار كذاك الذي
قدمه الشيخ الجليل أحمد المحلاوي عندما قال في خطبته في مسجد القائد
إبراهيم: «كنت غلطان لما هاجمت المظاهرات»، ولا بد أيضا من اعتراف في صراحة
ما قاله المستشار «الخضيري» من أن «البرلمان لا يغني عن الميدان».. ثم إن
هذا كله لا يغني عن خطوة عملية لتأكيد النوايا الحسنة تتمثل في انتخاب
جمعية تأسيسية لوضع الدستور تمثل أطياف المجتمع كله، ولا يغني عن تنازل
الإخوان عن الترشيح لمقعد الرئاسة، وسحب مرشحهم الدكتور محمد مرسي الذي لا
تبدو المعركة بالنسبة إليه هينة، ولا يغني عن الالتفاف حول مرشح ثوري واحد
لديه فرصة حقيقية للفوز.
الثورة لم تقم على احتكار فريق واحد كل السلطات
كي يحتكر فريق آخر السلطات جميعا.. وإذا ما كانت غالبية الناخبين قد
اختارت بالأمس الإخوان وصحبهم ليهيمنوا على البرلمان ويشكلوا الحكومة
لاحقا، فالظن أنه إذا لم تحل المحكمة الدستورية البرلمان فإن غالبية
الناخبين في الانتخابات الرئاسية غدا لن تسمح للإخوان بأن يحتلوا كرسي
الرئاسة أيضا.. ثم إنه سيكون أمرا غريبا حقا أن ينتخب الناس رئيسا من
الإخوان فإذا به يأتمر بأمر شخص آخر لم ينتخبه منهم أحد هو المرشد العام
لجماعة الإخوان المسلمين.. على عاتق الإخوان، ممثلي الأغلبية، تقع مسؤولية
المبادرة إلى خطوة أولى تطمئن الآخرين، ودون هذه المبادرة فلا مستقبل
للتوافق الوطني، ولا مجال لأن يتشارك الجميع في مليونيات قادمة تظللها
الأعلام السوداء بدلا من أعلام الجمهورية، مهما وضع لهذه المليونيات من
أهداف نبيلة.. سيكون ذلك خداعا للرأي العام، وقبل هذا وبعده طعنة للثورة
نرجو ألا تكون قاتلة.

» اخر حوار في ورقة من العام المنصرم
» بيان عن الجمع العام للأساتذة لمبرزون
» الجمع العام للتعاضدية العامة للتربية الوطنية
» كلمة الفرع الجهوي للتعاضدية العامة للتربية الوطنية بالقنيطرة الجمع العام 48 ( مراكش 7 ماي 2012 )
» الوفا:مستجدات تعرفها امتحانات البكالوريا هذا العام بالمغرب تعديل صيغة حساب معدل الدورة الاستدراكية